دليل ميديا - فاتح صبيح
انطلاقًا منها رُسِم مستقبل سوريا الجديدة...
منذ اللحظة الأولى لانطلاق شرارة الثورة السورية، برزت محافظة إدلب كعنوانٍ للصمود والثبات .واليوم، وبعد سقوط النظام البائد ، تقف إدلب على عتباتِ استحقاقٍ مُستحق: "أن تُكافأ بما يليق بتضحياتها"، وأن تُعاد الحياة إلى مناطقها التي دمّرها النظامُ البائدُ وحلفاؤه، ليعود أبناؤها فيجدوا أرضًا تحتضنهم ووطنًا يردّ لهم جميل التضحيات.
إدلب... قالت كلمتها قبل بداية الحكاية
كانت إدلب من أوائل المحافظات التي انتفضت ضد نظام الأسد ، مدينةً وريفًا، منذ الأيام الأولى في ربيع عام 2011. وكانت أولى مظاهراتها في ذلك الوقت ، ولم يكن موقفها وليد اللحظة؛ فقد كانت من قبلُ المدينة التي تجرأت على رشق حافظ الأسد بالطماطم، في مشهدٍ بات رمزًا مبكرًا للوقوف بجرأة أمام الاستبداد، فمنذ ذلك الوقت نالت إدلب النصيب الأكبر من القمع والتهميش، وكانت في واجهة كل موقعة، شهدت معارك ضارية، وتعرضت لقصفٍ طال البنية التحتية والمدارس والمستشفيات والأسواق والمساجد. ورغم كل ذلك، لم تنكسر...
النزوح وتحديات البقاء
لم تتوقف قوافل النازحين إلى ادلب منذ بداية الحرب التي شنها النظام البائد على المنتفضين في وجه سلطته .وفي عام 2019، شهد ريف إدلب الجنوبي وحماة الشمالي القريبين من بعضهما أكبرَ موجة نزوح جماعي في تاريخ الثورة، حين فرَّ الملايينُ تحت وطأة حملةٍ شرسة طالت الحجر والبشر، إلى مناطق مكتظة ومعدومة الحياة ، أختاروا الخيام بدل العودة إلى جحيم الذل ، فصنعوا من الجبال الصخرية مدنًا، ومن المخيمات أسواقًا ومراكز إنتاج، في واحدة من أعظم قصص التكيّف والنهضة تحت لحصار.
أعطت الإدارة المدنية في ادلب إنموذجاً في الأمن والتنظيم، وأُطلقت مشاريع تعليمية، وجامعات، ومراكز شرطية وقضائية وأهلت الملاعب الرياضية ونظمت الفعاليات الثقافية ، ووفرت فرص عملٍ لآلاف الشباب في التجمعات الصناعية والمهنية . فباتت ادلب سوريا المصغّرة، الحاضنة لكل حرّ من أبناء الوطن الذين ضاقت بهم سجون النظام ومنافي الشتات.
للمرأة والشباب. دور مهم في ادلب..
لعب شباب ونساء ادلب دورًا فاعلًا في خلق جو للحياة المدنية ، فأطلقوا المبادرات التعليمية والإغاثية، وعملوا في قطاعات الصحة والإعلام والإدارة. كما أسهم الشباب في بناء مجتمع مدنيّ ناجح حيث كان لهذا الحضور المتقدم لهذين المكوّنين أثراً واضحاً في صمود ونجاح إدارة تلك البقعة الخارجة عن سلطة النظام البائد
الاستحقاق المُحق لإدلب حاضنة الثورة والثوار
رغم الاستهداف المستمر، بقيت إدلب حاضنةً للثوار ومركزًا سياسيًا وإداريًا نابضًا. قاومت مخططات "المصالحات" التي كانت تستهدف كسر الإرادة الشعبية، ورفضت الرضوخ، وفتحت قلبها للحرية، كما فتحت أرضها للمُهجّرين في وقت سابق من الغوطة ودرعا وحلب ودير الزور وحمص وحماة واليوم وبعد سقوط النظام، تعود قوافل النازحين إلى قراهم ومناطقهم بقلوب مفعمة بالأمل، لكن بأيدٍ فارغة. يعودون إلى منازل مهدّمة، وخدمات معدومة، ومخاطر كثيرة تستوجبُ الوقوف إلى جانبهم وتقديم دعم فعليٍّ يوازي حجم التضحيات التي قدّموها، ويؤسس لمرحلة جديدة من الإعمار الحقيقي والعدالة الاجتماعية.
رؤية لإدلب المستقبل
إن إدلب التي رُسمت منها معالمُ نصر الثورة السورية العظيمة ، تستحق أن تكون أولى من تُرسم فيها ملامح سوريا الجديدة؛ سوريا الحرية، والعدالة. ولكي يتحقق ذلك، لا بد من رؤية واضحة تستند إلى:
وضع خطة إعادة إعمار متقنة، ومستعجلة تُبنى فيها المدارس والمستشفيات وترمم البنية التحتية من جديد.
بناء شراكة مع المؤسسات الفاعلة والمنظمات الدولية والجهات الإغاثية، لخلق فرص استقرار وتنمية حقيقية.
إيجاد فرص عمل
رسالة إلى كلِّ من يهمه أن يصل الحق لأصحابه
إن نهوض إدلب اليوم هو واجبٌ وطني وإنساني، لا يخص أبناءها وحدهم، بل يشمل كل من يؤمن بأن سوريا المستقبل تُبنى من ركام المدن الصامدة. ومن هنا، فإن دعم إدلب ليس منّة، بل اعترافٌ بجميلٍ قدّمته، وتضحياتٍ لا تُقدّر بثمن.
إدلب العز... ترنو إلى مستقبل يليق بها، ويكرّم شهداءها، ويعيد بناء ما هدمته حقبة الطغيان، ويجعل من آلامها أملاً للأجيال القادمة.